بعيداً عن “الأخبار السعيدة” التي يُعلنها مسؤولو وزارة الصحّة بشأنِ توسيعِ دائرة المستفيدين من التغطية الصحيّة الأساسية، وشملها المهنيين وأصحابَ المهن الحُرّة، يطرَح الكثير من المواطنين سؤالَ جدْوَى هذه العمليّة، طالَما أنَّ كثيرا من المراكز الصحية تفتقرُ إلى التجهيزات، وحتّى الأطباء.
وقدْ يتبادرُ إلى الذهن أنّ المراكز المفتقرة إلى التجهيزات والموارد البشرية تقع في المناطق النائيّة، لكنَّ الواقعَ عكْسَ ذلك، فمِثلها توجدُ في مناطق لا تبعُد عن الرباط سوى ببضع عشرات الكيلومترات، مثل “مدينة” الرمّاني، التي لا يفصلها عن العاصمة سوى 80 كيلومترا.
وسَط هذه المدينة، الغارقة في التهميش، ثمّة مركز صحي صغير، لكنّ الخدماتِ التي يُقدّمها للمرضى لا ترقى إلى مستوى تطلعات السكان، بلْ إنها تثيرُ غضبهم وسُخطهم، بسبب عدمِ حضور الطبيبة إلا يوميْن في الأسبوع، وأحياناً لا تأتي إلّا مرَّةً واحدة، وقدْ لا تأتي، كمَا أكد ذلك أكثرُ من مواطن.
“حْنَا ضايْعين.. مَا كانْصِيبُو فِينْ نْدوّزو لا حْنا لا ولادنا”، تقولُ سيّدة لهسبريس، وتُضيفُ بغضبٍ: “الطبيبة ما كاتجيش دِيما، وحْنا بغيناها تْجي ديما”. ما قالتْه هذه السيّدة التي لقيَ كلامُها تأييدا من مجموعة من المواطنين الذين تحلّقوا حولها، وهي تتحدّث إلينا أمام المركز الصحّي بـ”الرّماني”، يؤكّده الفاعل الجمعوي الحسن الحاضي بقوله: “أحيانا لا تأتي الطبيبة إلا مرةً واحدةً في أسبوعين”.
وأضاف المتحدّث ذاته أنَّ المركز الصحّي الصغير يسيرُ وفقَ نظام حضور الطبيبة يوميْ الثلاثاء والجمعة من كلّ أسبوع، وقدْ صادفتْ زيارتنا إلى “مدينة” الرمّاني يومَ الجمعة، وكانَ من المفروض أنْ تكون الطبيبة حاضرة داخلَ المركز الصحيّ، لكنَّ عددا من المواطنين الذين التقيناهم أمام المركز قالوا إنّها لم تحْضُرْ.
وحتّى لوْ داوَمتْ الطبيبة على الحضورِ مرّتيْن في الأسبوع فإنَّ ذلك لن يُرْضي السكان. “حينَ أرغبُ في إخضاع ابني لفحْصٍ طبّي أضطرُّ إلى إيقاظ زوجتي على الساعة الرابعة صباحا، لنقصدُ المركز الصحيّ على الساعة الخامسة، ثم ننتظر دوْرنا.. وقدْ يطولُ الانتظار إلى الواحدة زوالا، بسبب كثرة المرضى”، يقول الحسن الحاضي.
ولا تتوقّف معاناة سكّان “المدينة” المتواجدة في ضواحي العاصمة الرباط عندَ هذا الحدّ، بلْ إنَّ الانتظارَ لساعات طوالٍ أمامَ المركز الصحّي، يومَ الثلاثاء أو الجمعة، للظفرِ بفحْصٍ طبّي، ينتهي، أحيانا، بخيْبة أملٍ كبيرة، يُلخّصها الحسن الحاضي في هذه الجملة: “بْعْض المرّاتْ كانبقاوْ شادّين النّوبة مْن الخْمسة دْ الصباح، وفي الأخير كايْقولو لِينا الطبيبة ما جاياش”.
وحينَ يحتجُّ السكّان على الطبيبة، تقول لهم: “سيرو شْكِيو على روسوكم”، كمَا قالت إحْدى السيّدات لهسبريس، موضحة أنّ الطبيبة تسكنُ بعيدا عن الرمّاني، ومؤكّدة قول الحاضي إنَّ الطبيبة لا تأتي أحيانا إلا مرة واحدةً كلّ أسبوعين. وتضيفُ السيّدة ذاتها، ورؤوس المحيطين بها تومئ بالموافقة على ما تقول: “حْنا مْكرفصين وْمّْحّنين، وخاصّ المسؤولين ديال الصحّة يْديرو لينا شي حلّ”.
وتُلاحقُ المعاناةُ المواطنين القاطنين بـ”مدينة” الرمّاني حينَ يتوجّهون إلى المستشفى الإقليمي، الذي يستقبلُ المرضى الوافدين من ثماني جماعات.. هذا المستشفى بدوره “لا يستجيبُ حتّى لأبسط حاجيات المرضى الذين يستقبلهم”، وفق إفادة الحسن الحاضي، مُوضحا أنّه يفتقرُ إلى التجهيزات الطبيّة، التي تُوجّه إليه لكنّها في الأخير تذهبُ إلى مستشفى الخميسات، “ولا نعرف هلْ يتمّ ذلك عن قصْد أو عن غير قصد؟.. المهمّ أنّ ثمّة غموضاً في هذه المسألة”، يردف المتحدث.
أمّا ما يتعلّق بالأدوية، فيقول الحاضي إنّ مَنْحها للمرضى يخضع “للاستغلال السياسي” من طرفِ إدارة المستشفى، الذي يُديره رئيسُ المجلس الجماعي. وفي حينِ تعذّرَ الاستماع إلى رأيِ مدير المستشفى، رغْمَ محاولاتنا المتكررة للاتصال به، لوجودِ هاتفه خارجَ التغطية، قال الحاضي: “مدير المستشفى يستغلّ هذا المرفق الصحّي لخدمة أجندته السياسية، ويقوم عن طريقه بحملته الانتخابية طيلة خمس سنوات”، مضيفا: “المستشفى الإقليمي أصبح مُلحقة حزبية بدل أن يكونَ مرفقا عموميا تستفيد منه الساكنة”.
بالنبرة الغاضبة نفسها قالت السيدة التي تحدثت لهسبريس: “كانمْشيو ندوزو فْالسبيطار لْتحتاني (المستشفى الإقليمي) كايْقولو لينا طْلعو للسبيطار ديال الحومة، كانمشيو للسبيطار دْ الحومة كانلقاوْ الطبيبة ما كايْناش”.
وفي غياب رأي مندوب وزارة الصحّة، الذي لمْ يَرُدّْ على اتصالاتنا، رغمَ إحاطته علما بهويِّتنا في رسالة قصيرة، تُلخّص السيّدة الغاضبة حالَ المرافق الصحية بالرمّاني في سؤال استنكاري مُوجّه لمسؤولي وزارة الصحة: “فين غانْدِّيو هاد لُولاد اللي كايْمرضو لينا وكايْموتو، نديوهم نلوحوهم فْالبْركاصة؟”.
عن هسيريس