عن الأستاذ الباحث بوعيد التركي
سبب تكريم السيد عبد بنسليمان عبد القادر المولد والدراسة:
ولد الوزير المتخصص في الاقتصاد والتدبير والدبلوماسي المحنك عبد القادر بنسليمان بمدينة الرماني في يوم 22 فبراير سنة 1932. تابع تعليمه الأولي بمسقط رأسه بالمدرسة الابتدائية الإسلامية للذكور، ثم انتقل إلى مدينة الرباط لمتابعة تعليمه الإعدادي والثانوي بمؤسسة مولاي يوسف، التي حصل فيها على شهادة الباكالوريا بقسميها سنة 1954. التحق بعد ذلك بفرنسا لمتابعة تعليمه العالي بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة “تولوز”، وحصل فيها على شهادة الليسانس في الحقوق سنة 1957.
المهام التي تقلدها: تقلد عبد القادر بنسليمان خلال مشواره العملي عدة مهام سامية، لقد التحق بميدان المسؤولية الإدارية منذ سنة 1957 بوزارة المالية، حيث كان مكلفا بمهمة بديوان وزير المالية، ثم نائبا للمدير ورئيسا للمصالح الإدارية، ومديرا للميزانية ومراقبا ماليا بنفس الوزارة إلى غاية سنة 1959.
أسندت له بعد ذلك مهمة رئاسة إدارة ميزانية الدولة إلى غاية سنة 1961، وكان في نفس الوقت مراقبا لبنك المغرب. في سنة 1961، عينه الراحل الحسن الثاني وزيرا مفوضا ومستشارا بسفارة المملكة المغربية بباريس إلى غاية سنة 1963، ثم مديرا عاما لمكتب الأبحاث والمساهمات الصناعية إلى غاية سنة 1966. وكلف إلى جانب هذه المهمة الأخيرة، بمزاولة مهام مدير ديوان وزير الاقتصاد الوطني والمالية من سنة 1964 إلى سنة 1965،
ومهام المندوب الدائم للمملكة المغربية لدى اللجنة الاستشارية الدائمة للمغرب العربي الذي كان مقرها أولا بالرباط ثم نقل إلى تونس في يوليوز سنة 1966، حيث عين السيد عبد القادر بنسليمان نائبا لرئيس هذه اللجنة من سنة 1966 إلى سنة 1968. وأثناء هذه المدة، مثل هذه اللجنة في عدة مؤتمرات دولية التي كانت قد عقدت بأوربا وآسيا وإفريقيا، نذكر منها: – اللجنة الاقتصادية لإفريقيا بأديس أبابا؛ – منظمة الأمم المتحدة العالمية للصناعة بأثينا (اليونان)؛
– منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بدلهي الجديدة؛ – المنظمة العربية الإقتصادية والصناعية بالكويت. في شهر يناير سنة 1972، عينه الراحل الملك الحسن الثاني سفيرا لدى دول البينلوكس (بلجيكا، اللكسمبورج وهولندا) وكذا لذى السوق الأوربية المشتركة ببروكسيل. وبتاريخ 18 نونبر سنة 1972، عين وزيرا للتجارة والصناعة والمعادن والملاحة التجارية، في الحكومة الرابعة عشر التي ترأسها أحمد عصمان. استمر في هذه الوزارة إلى غاية تعيينه وزيرا للمالية بتاريخ 25 أبريل سنة 1974، إثر التعديل الحكومي لسنة 1974.
استمر في هذا المنصب الأخير إلى سنة 1977. وفي سنة 1991، عين وزيرا للسياحة، وقد ترك هذا المنصب ليحضر للانتخابات التشريعية لسنة 1993. انتخب عبد القادر بنسليمان في فاتح يوليوز سنة 1974 رئيسا لمجلس ولاة البنك الإفريقي، وفي سنة 1978، عين رئيسا مديرا عاما للبنك الوطني للإنماء الاقتصادي. مثل المملكة المغربية في عدة مؤتمرات على الصعيد الدولي، منها:
– اجتماعات مجلس محافظي البنك الدولي وصندوق النقد العالمي في جميع دوراتها منذ سنة 1974؛ – شارك في عضوية لجنة العشرين المؤلفة من 20 وزيرا للاقتصاد والمالية الذين مثلوا العالم في تقرير مصيرها النقدي. مثل عبد القادر بنسليمان المملكة المغربية في عدة سفارات، منها سفيرا لدى دول البينلوكس (بلجيكا، اللكسمبورج وهولندا) والسوق الأوربية المشتركة ببروكسيل، وببون الألمانية، وبدولة الجزائر وبدولة تونس. عبد القادر بنسليمان رجل تدبير الأزمات: حسب الملاحظين وذوي الاختصاص، أن عبد القادر بن سليمان، كان رجل دولة لحل الأزمات بامتياز.
وفي هذا الجانب، يذكر أنه عندما عينه الملك الراحل الحسن الثاني مديرا عاما للبنك الوطني للإنماء الاقتصادي، قبل تفويته لمؤسسات مالية أخرى، في ظل العجز الذي أصابه، كان يراهن على تجربة الرجل في عالم الاقتصاد والتجارة… وعندما رسى عليه تدبير قطاع المالية سنة 1974، في مرحلة قال عنها الراحل الملك الحسن الثاني يوما إنه يبحث في كيفية تدبير الفائض المالي من العملة الصعبة، كان يطبعها بعض الرخاء.
وزاد من أهمية إقامة مؤسسات مالية جديدة لدعم الاستثمارات عبر القطاعات شبه العمومية أنه تقرر تنفيذ خطة المغربة، التي همت تفويت أراض المعمرين الفرنسيين السابقين إلى القطاع العام. فإن دور الوزير عبد القادر بن سليمان كان يكمن في إيجاد منافذ لتصريف الموارد، من خلال الاستثمار في التجهيزات والمرافق الأساسية، وكان الحسن الثاني يراهن، في غضون ذلك، على إقامة المشروعات الكبرى في الفلاحة. وقد يكون ابن زعير، الذي خبر العالم الزراعي والقروي كثيرا، قد عرف كيف يستجيب لتلك الرغبات…
وشاءت الظروف أن يكون من بين أقرب الأشخاص الذين عاينوا الإعداد للمسيرة الخضراء سنة 1975 في جانبها المادي، إذ صدرت أوامر بتخزين مواد غذائية، مثل الدقيق والسكر والشاي والزيت، تحت ذريعة الإعداد لترقب مواسم زراعية قاسية، فيما كان القصد هو تأمين تلك المواد لتوزيعها على المتطوعين في المسيرة الخضراء… وسيكون لمرور عبد القادر بنسليمان عبر سفارة المغرب في ألمانيا الأثر البالغ في جذب انتباه الألمان إلى المغرب. كان الراحل الحسن الثاني قد عينه هناك، وفي نفسه رغبة تروم اقتباس تجربة اللامركزية الألمانية التي مكنت البلاد من الانتقال إلى عصر التطور والازدهار. والأرجح أن السفير عبد القادر بنسليمان، عرف كيف يحاور الأصدقاء الألمان بلغة الأرقام ومنطق البراغماتية المتبادلة… وعلى خلفية التوتر الذي ساد العلاقات المغربية الجزائرية في نهاية تسعينيات القرن الماضي، اختاره الراحل الملك الحسن الثاني، سفيرا في دولة الجزائر. وتميزت تجربته في الجزائر بالانفتاح على كل مكونات الدولة والمجتمع الجزائريين، ولم تكن إقامته تخلو من منتديات مستمرة. وقد كان في وسعه أن يتوج مساره هناك بحدوث انفراج كبير في علاقات البلدين الجارين، لو أن الفرق بين الرغبة والقدرة كان كبيرا. فقد كانت الأمور قد وصلت إلى مرحلة تكاد لا تقبل العودة إلى الوراء. ومع ذلك فإنه حرص على بناء جسور التواصل والتعاون للدلالة على حسن الإرادة المغربية. ويسجل له أنه اهتم كثيرا برصد مخلفات عملية طرد عشرات الآلاف من المواطنين المغاربة، الذين كانوا يقيمون بالجزائر، وسخر جهده من أجل الإلمام بكل جوانب هذا الملف… عرف عبد القادر بنسليمان بعلاقاته المتميزة والوطيدة مع رجالات بارزين في الدولة وغيرها، منهم على سبيل المثال لا الحصر، صداقته بالزعيم عبد الخالق الطريس التي كانت مبنية على الاحترام التقدير المتبادل، وعلاقته الوطيدة مع النائب السلطاني للمنطقة الخليفية زمن الحماية الأمير مولاي الحسن بن المهدي، والعلامة عبد الله كنون، وعلاقته ببعض أفراد عائلة الزعيم الريفي محمد بن عبد الكريم الخطابي…
وقد سبق له أن توسط لآل الخطابي في إطلاق سراح أحد أفرادهم، كان قد تورط في محاولة انقلاب سنة 1972. ويذكر أن عبد القادر بنسليمان كان لا يحتاج إلى وساطات في محاورة الراحل الملك الحسن الثاني… عبد القادر بن سليمان يطلب فتوى شرعية في قضية سياسية: راسل عبد القادر بنسليمان بتاريخ 28 شتنبر سنة 1976 وهو وزير للمالية آنذاك، العلامة الحسن الزهراوي المراكشي القاضي بالمجلس الأعلى والعضو بالمجمع الإسلامي، يطلب منه فتوى شرعية في قضية سياسية تتعلق باختلاس أموال في فترات متباينة تقدر بأربعة ملايين من الدراهم.
وجاءت رسالة الوزير على الشكل التالي: “… إلى جناب الأستاذ الفاضل العلامة السيد حسن الزهراوي بمراكش، أطلب فتوى عن القضية التالية: “رجل كان مسؤولا عن تسيير مؤسسة مالية، فاختلس في فترات متعددة أموالا تقدر بعدة ملايين من الدراهم، وعندما افتضح أمره، اتضح أنه كان يستثمر الأموال المختلسة في اسم زوجته التي لم تكن تملك شيئا عندما تزوج بها، فاشترى باسمها أملاكا كبيرة يوافق تاريخ شرائها تاريخ الاختلاس المتكرر، وقد حال بين القضاء واستخلاص تلك الأموال المختلسة مبدأ استقلال مال كل من الزوجين عن الآخر. فما هو رأيكم ورأي الفقه الإسلامي في هذه النازلة؟””. وأجاب العلامة الزهراوي الوزير عبد القادر بنسليمان، بنا يلي: “الواجب يقضي أن يحرم مما كان يبتغيه من عمله، فتباع الأملاك، وتستخلص أموال الأمة، إذ لم تبق المسألة هنا، مسألة استقلال مالية الزوجين، بل دخلت في باب الخيانة من هذا المتهم أو منه ومن زوجته إن وافقته على ذلك”.
وأضاف العلامة الزهراوي: “يجب أن يطبق عليه القانون الترهيبي بقسميه الأدبي والقانوني، أما الأدبي فإنه قد طبق عليه وسجن حسب ما ورد في السؤال. وما بقي الآن سوى أن يطبق عليه المؤبد المدني، وذلك بأن يحرم هو ومن شاركه من ثمرة عمله المخالف للقانون ليرتدع هو وأمثاله، وإلا انفتح على الأمة باب من الخيانة والتحايل يعسر سده”.
وقد ختم العلامة الزهراوي فتواه، بالتعبير عن أمله في: “أن يحيي المشرع المغربي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وسنة خليفته الثاني عمر بن الخطاب، ويصدر قانون الكسب غير المشروع، وما يتفرع عليه من تشريعات ليريح الأمة ممن لا ضمير لهم يردعهم”.
كلمة ختام:
عبد القادر بنسليمان رجل دولة بامتياز، ورجل كرم وضيافة، حين كان كبار الضيوف يحلون بالمغرب، كان عنوانه الأقرب إلى خطواتهم… رجل لطيف المعشر، مهذب الأخلاق، أنيق جدا…
ويشار إلى أن منزله بمدينة الرماني، احتضن العديد من الندوات العلمية، التي نظمتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس بالرباط… وهو حائز على عدة أوسمة فخرية، منها وسام العرش من درجة ضابط ووسام الاستحقاق الوطني الفرنسي من درجة كومندار، ووسام الجمهورية الإيطالية من درجة كومندار… بارك الله فيه ورزقه الله الصحة والعافية وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم.