نور الدين اليزيد
بعيدا عن التشخيص وقريبا من التجريد حتى لا نُتهم مِن قبل البعض بالتحامل على أحد، نستطيع القول إن الحكومة الحالية التي دخلت عامها الخامس والأخير، هي حكومة لا تتحلى بقدر محترم من المسؤولية يجعلها تسمي الأمور بمسمياتها وتتحمل التبعات الأدبية والقانونية والسياسية لأعضائها الذين يخطئون في حق المنصِب الذي يتقلدونه وفي حق الشعب الذي يحكمونه ويتقاضون أجورهم المثيرة للجدل وغير العادلة مِن عرقهم وعلى حساب رزقهم، وهو ما ينساه أو يتناساه البعض ويجعله يتحدث بكل صفاقة وقلة أدب دون أن يرِف لهم جفن أو يحمر لهم خد من خجل !
ولأننا في عالم بات أشبه بقرية صغيرة مكشوفة أخبار أهلها صغيرها وكبيرها، فإننا في عز الجدال واللغط الذي يثيره قانون معاشات البرلمانيين، وفي خضم تصريح جارح ومستفز ولا مسؤول لأحد أعضاء حكومة “الربيع المغربي”، تأتيني الأخبار من أقصى الأرض وتحديدا من بلاد أستراليا التي أقدم فيها وزيران على تقديم استقالتهما نتيجة سلوك يتنافى مع ‘المعايير العالية المطلوبة من الوزراء”، بحسب تعريف أحد الوزيرين المتسقيلَين؛
وتعالوا نتمعن قليلا في ما جاءت به القصاصة من قارة أستراليا حول السلوكات غير المتلائمة والمعايير العالية المطلوبة من الوزراء، حتى نعرف سبب الاستقالة وما إذا كان سلوك الوزيرين يستدعي ذلك !
يقول الخبر على لسان وزير شؤون المدن والبيئة في أستراليا، جيمي بريغز، وهو شاب لا يتعدى عمره 38 سنة، إنه ارتكب خطأ ولم يف بالمعايير العالية المطلوبة من الوزراء عندما ذهب إلى ملهى ليلي خلال زيارة رسمية إلى هونغ كونغ الشهر الماضي مع أحد موظفيه وإحدى موظفات القطاع العام، ويضيف أن “التفاعل كان غير رسمي” مع الموظفة، التي انتابها تخوف من أن يكون “تفاعُل” الوزير “غير ملائم” لها. ومع أنه أصر على أنه لم يقترف جرما إزاء السيدة الموظفة وهو ما سيؤكده للمحققين إلا أنه مع ذلك يصر على تقديم استقالته لأن مجرد البقاء في وقت متأخر بملهى ليلي في رحلة رسمية هو سبب كافٍ ليغادر المنصب، بحسبه.
أما الوزير الثاني المستقيل فهو وزير العلوم والعتاد الدفاعي، مال بروف، الذي يخضع للتحقيق منذ عدة أشهر بتُهم تتعلق بتضليل البرلمان وبأنه لعب دورا في النسخ غير القانوني ليوميات رئيس برلمان سابق.
يتضح من خلال النموذجين الأستراليين أن الحكومة التي تقدر شعبها وتتحمل مسؤوليتها كاملة تسارع إلى تقديم الحساب أدبيا وأخلاقيا أولا ثم تتيح المجال للجهات الإدارية والقانونية لتباشر عملها وبالنتيجة تكون المحاسبة السياسة.
وفي المغرب أو بالأحرى في “النموذج المغربي” الاستثنائي كما يريد البعض أن يسوق لنا ويوهمنا لغايات في نفسه، فإن سلاطة لسان الوزراء لا يوازيها إلا وقاحتهم المنقطعة النظير وهم ينافحون عما تقترفه ألسنتهم الخبيثة من كلام بذيء ومؤذي وما تؤتيه أيديهم من أفعال وترامي على المال العام؛ فلا خجل مما يصدر عنهم من سوء القول والفعل، ولا اعتذار ولا تراجُع إلّا من باب التمويه أو فقط إذا ما جاء الأمْر مِمّن له الأمر مِن قبل ومِن بعد كما فُعل مع البعض مِمن سبقوا زملاءهم هؤلاء في التهافت على الاساءة للشعب والوطن !
ويبدو أن غياب حس المسؤولية لدى أعضاء الحكومة الحالية جعلهم لا يأبهون بخطورة أفعالهم بل وقبل ذلك بقراراتهم غير الشعبية التي سيكون لها ما بعدها –ونسأل الله اللطف- في ظل توتر إقليمي ودولي واحتقان اجتماعي متواصل على المستوى الوطني؛ وكيف لهؤلاء مراهقي الكلام من سياسيينا ومسؤولينا أن لا يضعوا نصب أعينهم كون المغاربة الذين خرجوا ذات 20 فبراير، على غرار باقي الشعوب العربية، مطالبين بمحاربة الفساد وبالعدالة الاجتماعية والمساواة وغيرها من الحقوق، هم أنفسهم المغاربة الذين لن يترددوا في العودة إلى الشارع إذا ما أصر البعض على النيل من كرامتهم ومن جيوبهم ومن اغتصاب حقوقهم.
ولعل الاحتجاجات المتزايدة في مختلف المدن من قِبل بعض فئات أبناء المجتمع الذين انتزعت منهم مكاسب وظيفية ومهنية انتزاعا (الأساتذة المتدربين، والطلبة الأطباء)، وكذا المسيرات الغاضبة ضد جشع الشركات المفوض لها تدبير المرافق العمومية الحيوية (الماء والكهرباء)، عدا عن الاعتصامات المتواصلة لحملة الشهادات المعطلين، لهي الجمر الكامن تحت الرماد الذي تصر الحكومة الحالية على النفخ فيه، تارة بقرارات لا شعبية ومجحفة لحد الاستنزاف والابتزاز من مثل الرفع من سن التقاعد مع الزيادة من الاقتطاعات والتقليص في المقابل من التعويض، وتارة أخرى بإهدار أموالهم العامة وباستفزاز الناس والتهكم والتدليس عليهم كاعتبار الشواهد الجامعية والتعليمية لا قيمة لها كما لا قيمة لتقاعد منتفخ إذا كان من نصيب الحاشية والزبانية والمحظوظين ممن شاءت الأقدار أن يكونوا في المكان الخطأ في الزمن الخطأ..
أيتها الحكومة غير المسؤولة ! إذا كنتِ لا تكترثي لا بالمحاسبة الأخلاقية انطلاقا من تواتر الأدلة والأحداث على ذلك، ولا بالمحاسبة السياسية بالنظر إلى إيمانك القوي بقدرة أغلبيتك على دحر وقهر معارضة متفككة وسقيمة لا تشرف أحداً، فلا يغرنّك زعْم “زعيمك” أنه قادر على قيادة الشارع نحو بر الأمان، لأن وحده العيش الكريم هو الضامن لهذا الشعب أن لا يغضب..وإلا لكانت المحاكمة والمحاسبة الشعبية التي لا يفصل عنها إلا قولٌ أو فعلٌ من طينة ما يصدر عن وزرائك غير المسؤولين !
وكل عام والشعب المغربي آمِن من ألسِنتكم وأيديكم.