ذكرى حادث الفتك بدورية القبطان الفرنسي Nancy ببلاد زعير يوم 14 يناير 1914: حادث اشتهر في الكتابات الفرنسية بـ “اعتداء زعير” و“كمين مرشوش” (Guet apens Merchouch)
إعداد: بوعبيد التركي
مع بداية سنة 1911، اضطر الفرنسيون لضرب قبائل زعير باسم حق المتابعة والبحث عن قطاع الطرق، وذلك بعد مرور سنة من التدخل الفرنسي الأول بزعير من خلال معركة الصباب في الفاتح من شهر مارس 1910، ويبدو أن رئيس مصلحة الاستعلامات بمنطقة المذاكرة من الشاوية القبطان Nancy، أقنع الجنرال الفرنسي Moinier (قائد قوات الاحتلال بالشاوية) بأن الوقت قد حان ليقوم بجولة استطلاعية داخل بلاد زعير، يتمم فيها عمل المخبرين، ويربط اتصالات مع بعض الأعيان والقياد، أو على الأقل، يدفع بعضهم إلى قبول النفوذ الفرنسي المتزايد في المنطقة. وتحت ذريعة حل بعض الخلافات في الرعي، والواقع أنه أراد توسيع نفوذه على فرق من زعير، قاد القبطان الفرنسي Nancy دورية استطلاع مكونة من 25 من الكوم يرافقه ضابطين أحدهما برتبة “يوتنان” (Victor Jules Marchand)، ودخلت هذه الدورية أراضي زعير بتاريخ 14 يناير سنة 1911 في اتجاه قصبة مرشوش المعروفة أيضا بزاوية البواشرية .
وعلى مقربة من قصبة مرشوش، حصلت مجزرة رهيبة في جنود القبطان Nancy، حيث هوجمت دوريته من طرف فرسان من مجاهدي زعير وصل عددهم حوالي 150 نفرا، وأسفر الهجوم على مقتل وجرح معظم أفراد السرية الفرنسية. وحسب الرواية الفرنسية، فقد خلف هذا الحادث 8 قتلى، منهم اليوتنان Victor Jules Marchand، والرقيبPaul Hivert رقيب في المدفعية والخيالة maréchal des logis))، إضافة إلى 10 جرحى، كما تم قتل 6 أفراس وغنم المجاهدون 20 فرسا وعددا من الأسلحة والأمتعة. واضطر القبطان Nancy قائد السرية إلى الهروب عند بعض سكان قبيلة أولاد دحو، حيث تولى قائد القبيلة حماني بن الشرقي الدحاوي وبعض أتباعه نقل الضباط والجنود الهاربين والجرحى والقتلى حتى حدود زعير مع الشاوية.
ويحكيالقبطان Nancy الذي تعرضت دوريته للكمين في تقرير له حول ظروف الحادث مؤرخ في 17 يناير سنة 1911، أي بعد ثلاثة أيام من وقوع الحادث: أنه يوم 14 يناير سنة 1911، قرر القيام بجولة في منطقة زعير بطلب من عبد القادر بن البشير المباركي الزعري، ورغبة كذلك في توسيع نفوذ فرنسا بالمنطقة المتاخمة للشاوية. وقال أنه أخطأ الطريق المؤدي إلى قصبة مرشوش، والسبب في ذلك راجع إلى مرشده الذي قدم له معلومات خاطئة. وقد صادف في الطريق مجموعة من فرسان زعير وعدد من المشاة على رأسهم السيدين الحبشي والعربي أخوي عبد القادر بن البشير المباركي، وقد أمره السيد العربي المباركي بتغيير الطريق، وأن يسلك تلك التي تمر عبر عين صبارة بقبيلة أولاد دحو.
ويضيفالضابط Nancy: وبما أن الطريق كانت طويلة، وعرفت المنطقة في ذلك اليوم تساقطات ثلجية مهمة، وعلى بعد ثلاثة كيلومترات جنوب قصبة مرشوش، في حدود الساعة السادسة مساء، تعرضت الدورية لهجوم من طرف الزعريين الذين أمطروهم بوابل من النار، فقتل من قتل وتاه من تاه في ليلة حالكة على ضفاف واد العطش. وقد فر القبطان Nancy عند أولاد دحو ولحق به سبعة أفراد من الكوكبة عند المسمى بوعمر بن عبد الله الدحاوي، الذي وفر لهم ليلة 14- 15 يناير المأوى والأمن، قبل أن يربط Nancy الاتصال بالبشير المباركي وقائد قبيلة أولاد دحو حماني بن الشرقي وعدد من شيوخ قبائل الحلاليف والرواشد والغوالم الذين رافقوه إلى الحدود مع الشاوية. وقد اتهم القبطان Nancy في هذا الحادث العديد من مجاهدي زعير، منهم العربي بن البشير المباركي والحبشي بن البشير المباركي والخثير الدحاوي من فرقة أيت الشيخ من قبيلة أولاد دحو والكبير القستالي الدحاوي والهاشمي ولد بوخبزة الغالمي من فرقة الشلوحة من قبيلة الغوالم، ومجاهدين من فخذة أيت عبد الله بدوار أيت الشيخ من قبيلة أولاد دحو ومن القطيبات من قبيلة أولاد زيد….
وكانهذاالحادث،أيالفتكبسريةالقبطان “نانسي“، منطلقا لدعاية فرنسية استعمارية واسعة، طالب خلالها العسكريون الفرنسيون بضرورة التدخل في قبائل زعير للقضاء على روح الجهاد المتأججة بالقرب من قبائل الشاوية التي ثبتوا فيها وجودهم.
تطورات حادث مرشوش:
إن هذا الهجوم الذي تعرضت له السرية الفرنسية مطلع سنة 1911، دليل آخر على رفض قبائل زعير التعامل مع الأجانب المحتلين. فحادث مرشوش هذا، ستكون له انعكاسات كبيرة على المستوى المحلي والدولي، ورغم الحكمة التي حاول بها السلطان المولى عبد الحفيظ معالجة تداعيات الحدث، فإن السلطات الاستعمارية الفرنسية نفذت سياستها التي انتهت باحتلال منطقة زعير بأكملها.
1– الموقف الرسمي الفرنسي من حادث 14 يناير 1911:
لقد أقامت الأوساط الاستعمارية الفرنسية ضجة إعلامية حول ما سمي في الصحافة الاستعمارية بـ “اعتداء زعير” أو “كمين مرشوش” Guet-Apens Merchouch، إذ بدأت فرنسا تلوح باحتلال مدينة الرباط، تحت ذريعة حادث مرشوش هذا، الذي افتعله الجنرال Moinier، حيث سمح لقواته بتجاوز الشاوية إلى بلاد زعير، واستغله ليطالب بتعزيز قواته في الشاوية بدلا من سحبها، وذلك بحجة معاقبة زعير. وبتاريخ 21 يناير سنة 1911، أي مباشرة بعد حادث مرشوش، طلب الجنرال Moinier قائد قوات الاحتلال بالشاوية من حكومة بلاده أن يتدخل عسكريا في بلاد زعير بحجة الثأر للاعتداء الذي تعرضت له قواته، وكذلك لمنع تفشي الهزيمة، وعدم انتشار حركة مقاومة واسعة وسط القبائل ضد التوسع الفرنسي، وطالب بإرسال تعزيزات عسكرية تمكنه من ذلك. وفي أواخر شهر فبراير من السنه نفسها، ذهب إلى فرنسا لإقناع المسؤولين هناك بمشروعه الاستعماري.
وكانموقفالحكومةالفرنسيةواضحااتجاهطلباتالجنرال Moinier، حيث رفض Stéphane Pichon وزير خارجية فرنسا كل مغامرة عسكرية انتقامية أو غيرها خارج بلاد الشاوية، لأنه أمر يتعارض مع ميثاق الجزيرة الخضراء ومع الاتفاق الفرنسي المغربي لسنة 1910، ولأن الجيش الفرنسي يضمن فقط خدمة مؤقتة باسم المخزن المغربي، وبالتالي رفض أن يبعث 2000 أو 3000 عسكري التي طلبها الجنرال Moinier لتعزيز قواته. لكن هذا النصر الذي حققه رجال السياسة على العسكريين، سيتغير إثر حدثين، الأول وفاة وزير الحربية الفرنسية بتاريخ 23 فبراير سنة 1911، والثاني وقع بتاريخ 2 مارس سنة 1911 وهو التغيير الحكومي الذي وقع بفرنسا، حيث تولى وزارة الخارجية Jean Cruppi بدل Pichon. ويظهر أن الاستعماريين سيطروا على توجيه الخارجية الفرنسية، حيث اقترح ضباط أركان الجيش بتاريخ 12 مارس إرسال 2000 عسكري إلى الدار البيضاء، ووافق على هذا الاقتراح وزير الخارجية Cruppi ما بين 13 و14 مارس، بعدما اطمأن لموقف ألمانيا الذي لم يكن مقلقا، حيث كان قد طلب من سفير بلاده ببرلين، Jules Cambon أن يأخذ رأي Kiderlen Watcher وكيل وزارة الشؤون الخارجية الألمانية. ومما جاء في رد Kiderlen، أنه لا يناقش حقوق فرنسا في معاقبة المعتدين (يعني زعير).
وفعلاتمإرسالقواتعسكريةفرنسيةمهمة،وُزعتعلىمراكزالاحتلالبالشاوية،وأصبحتترابطعلىحدودقبائلزعير،كماتقدمتقربمدينةالرباطبمركزبوزنيقةلتضييقالخناقعلىساكنةزعير. وسيكون هذا الإمداد العسكري بداية التفكير الفعلي في مشروع احتلال المغرب من خلال ربط الشاوية بمنطقة السايس عبر الرباط والقنيطرة ومنطقة الغرب.
بعدعودةالجنرال Moinier من فرنسا إلى المغرب، أصدر دورية سرية إلى رؤساء الفرق العسكرية وكموندوهات مراكز الاحتلال، وكانت بمثابة تطبيق للقرار الحكومي الفرنسي الصادر مابين 13 و14 مارس سنة 1911، وبموازاة مع ذلك تؤكد إرادة الانتقام وتأمر بحصار زعير، وتعلن عن إنشاء قوات ترابط بالحدود المجاورة لزعير مستعدة للتدخل تحت قيادة الكولونيل Brulard بموافقة المخزن المغربي، كما أن أسواق مدينتي الرباط وسلا أصبحت ممنوعة على الزعريين.
فيأوائلشهرأبريلسنة 1911، بدأت فرنسا سلسلة محادثات مع ألمانيا كما سبقت الإشارة إلى ذلك حول موقف هذه الأخيرة من قضية زعير، وكذلك التدخل الفرنسي في فاس بحجة حماية الأوربيين من القبائل المجاورة. وفي 4 أبريل أبلغ Kruppi (وزير الخارجية الفرنسي) ألمانيا بضرورة تدخل فرنسا في المغرب، وفي 5 أبريل سلم Cambon (سفير فرنسا بألمانيا) رسالة لوكيل الخارجية الألماني Kiderlen تحدث فيها عن عجز المخزن المغربي على معاقبة قبائل زعير، وإلى احتمال احتلال الرباط التي تتمون منها هذه القبيلة. وفي 6 أبريل أعلن Kiderlen (وكيل الخارجية الألماني) للسفير الفرنسي ببرلين Cambon في اتصال معه، أن احتلال الرباط يثير الرأي العام الألماني، لأنه سيرى في هذا العمل شروعا في تنفيذ مشروع يرمي إلى إسقاط المغرب كله في يد فرنسا كما حدث في الشاوية من قبل. وقال Kiderlen أيضا إن احتلال الرباط مخالف لميثاق الجزيرة الخضراء، وأضاف: أن المسألة ليست مسألة معاقبة زعير، فالسلطان المولى عبد الحفيظ، قد وعد بالانتقام لمقتل الضابط Marchand، وإذا عجز فبإمكانكم أن تنتقموا بأنفسكم. ويوم 6 أبريل كذلك أخبر Cruppi الدول الموقعة على ميثاق الجزيرة الخضراء بنواياه من خلال الكلمات التالية: “إثر التقدم الذي أحدثه العصيان القبلي بالمغرب، فإن حكومة الجمهورية الفرنسية تجد نفسها مرغمة عند الاقتضاء حماية الأوربيين بفاس في حالة إذا ما حوصرت المدينة، من جهة أخرى أظهر المخزن المغربي عجزه على معاقبة زعير مرتكبي الاعتداد ضد “كوم نانسي” كما وعدنا، ومن المحتمل أن نضطر إلى احتلال الرباط، التي هي مركز تموين زعير“.
وبتاريخ 11 يوليوز سنة 1911، بعث وزير الخارجية الفرنسي رسالة إلى سفير بلاده ببرلين يقول فيها بأن الوقت قد حان لمعاقبة زعير، وأن المخزن لم يف بتعهداته التي التزم بها في شهر مارس الأخير. وقد انتهت سلسلة المفاوضات الألمانية الفرنسية باتفاق وقع بتاريخ 4 نونبر سنة 1911، يسمح فيه الطرف الألماني لفرنسا ببسط نفوذها على المغرب دون عرقلة من ألمانيا، مقابل حصول هذه الأخيرة على امتيازات في إفريقيا الغربية.
2- موقف المخزن المغربي من حادث مرشوش بزعير:
محاولة منه لتطويق المشكل، بعث السلطان المولى عبد الحفيظ بكتاب إلى وزيره المقري الذي كان موجودا وقتئذ بباريس، ألح فيه على إصدار الأوامر للمسؤولين العسكريين بعدم الخروج من تراب الشاوية، وحملهم مسؤولية الحادث الذي وقع بزعير، والتزم بمعاقبة المتسببين فيه. وجاء في رسالة الوزير المقري الموجهة إلى وزير الخارجية الفرنسي والمحررة بباريس في 9 صفر عام 1329هـ موافق 8 فبراير سنة 1911، مايلي:
“… نرفع لجنابكم الأعظم أنه ورد لنا بالأمس كتاب شريف يتضمن تأسف الجناب العالي بالله على الحادثة التي وقعت أخيرا خارج تراب الشاوية وأمرني أعزه الله بأن أرفع بلسان الأسف لدولتكم المحبة واسم التعزية فيمن أصيب بهذه الوصمة المكدرة التي تأثر فيها الجناب الشريف تأثرا عظيما كما أمرني دام علاه بأن أبلغ جنابكم أنه أعزه الله حذرا من الوقوع في مثل هذه الحوادث يلح دائما في طلب إعطاء التسهيلات اللازمة لولاة الأمر لجند الاحتلال بأن لا يخرجوا عن تراب الشاوية حتى لا يصدر من القبائل المجاورة لها ما يكدر جانب الدولتين المتحابتين لما لا يخفى عنكم من كونها لا تحسن أي مصارفة ولا تميز بين ما يضرها وما ينفعها وجندكم على يقين كون الحادثة وقعت بتراب قبيلة زعير بمحل بعيد عن نقطة الاحتلال بكثير وعلى كل حال فإن الجناب العالي بالله يستلفت نظركم إلى إصدار أوامركم لكبير جند الاحتلال بأن لا يأذن بعد بالخروج عن تراب الشاوية إراحة للجانبين من مثل هذه الإجراءات المكدرة… “.
وبتاريخ 4 مارس سنة 1911 (موافق 3 ربيع الأول عام 1329هـ)، عبر السلطان المولى عبد الحفيظ مرة أخرى عن موقفه اتجاه قضية زعير لوزير خارجية فرنسا، حيث أعلن فيه بأن تنفيذ أية عميلة عسكرية ستكون لها نتائج مباشرة، هي انضمام كل من زيان وبني مكيلد وبني حسن إلى زعير، وقد تحدث بالمغرب تمردا عاما. والتمس السلطان من الحكومة الفرنسية أن تأمر قواتها بالشاوية أن لا تبتعد من حدودها، وأنه سيقوم بالواجب فورا عند وصوله إلى الرباط ليعاقب المعتدين. وبعد أيام، بعث Cruppi وزير خارجية فرنسا إلى الوزير المقري برسالة يذكر فيها بالوعد الذي تعهد به السلطان بمعاقبة المسؤولين عن حادث مرشوش، جاء فيها:
“… سيدي الوزير فإن دولة الجمهورية صارت على بال من المواعيد المقررة في كتابك المؤرخ في 4 مارس 1911، بأن الجناب الشريف سيجري التربية على فرقة زعير التي ارتكبت الجريمة ضد كوم الشاوية وذلك بمجرد وصوله لرباط الفتح، كما أن الجناب الشريف يتخذ من الآن قبل وصوله إلى الرباط الوسائل الموصلة للقبض على الفعال، وأن دولة الجمهورية لا تغفل ملاحظة هذه المواعد ليكون العمل جاريا بها في أقرب وقت ممكن، وأنها ستوجه مددا خفيفا لإبقاء الأمن والسكينة سائدين داخل حدود الشاوية…“.
وبتاريخ 16 مارس من السنة المذكورة، طلب Cruppi من الوزير المقري في حديث معه بأن إجراءات فورية يجب أن تتخذ ضد المعتدين من زعير. وفي اليوم نفسه طلب المقري في رسالة إلى قياد الرباط وسلا والدار البيضاء بالقبض على الأشخاص الواردين من زعير حتى تسلم هذه القبيلة “المذنبين“. ووافق السلطان المولى عبد الحفيظ على هذا الأمر، وبعث برسائل مؤرخة في 26 مارس، إلى خليفته بالدار البيضاء وإلى باشا الرباط وباشا سلا، يأمرهم فيها بمنع دخول أهل زعير لأسواق تلك المدن، حتى يقدموا للمخزن المتسببين في حادث مرشوش، وكان هذا بداية الإجراءات المتخذة التي التزم بها السلطان للفرنسيين.
إثرالضغوطالتيمارستهافرنساعلىالمخزنالمغربي،وجدتقبائلزعيرنفسهامحاصرةمنكلالجوانب،حيثأصبحتممنوعةمنالتسوقمنأسواقالرباطوسلاوالدارالبيضاء،محاصرةبقواتفرنسيةترابطعلىحدودهاتحتقيادةالكولونيل Brulard، ومضطرة إلى المساهمة في البحث عن من تسميهم فرنسا “المذنبين” المسؤولين عن حادث 14 يناير سنة 1911 لتجنب التدخل العسكري.
3- موقف مجاهدي زعير من حادث مرشوش:
مما لا شك فيه أن مجاهدي زعير كانوا يعرفون قوة المحتل الفرنسي وإمكانياته العسكرية المتطورة، لكنهم رغم ذلك عبروا عن إرادتهم في الدفاع عن الذات والأرض بوسائلهم البسيطة، وردوا بعنف على تدخل الفرنسيين في بلادهم. وبعد حادث مرشوش، بدأ مجاهدو زعير في التنسيق مع قبائل الجوار لمواجهة الخطر المشترك الذي بدأ يهددهم، ففي يومي 30 و31 يناير سنة 1911، عقد تجمع عام بموقع “طاليعوك” بقبيلة أولاد كثير الزعرية، حضرته وفود قبائل زمور وزيان وبني خيران وتادلة، وذلك من أجل ترتيب الأوراق ورسم خطة لمواجهة المغيرين المحتلين. وعن هذا التجمع يقول أحد المخبرين في تقرير سري له:
“لقد تبادل ممثلو القبائل السلاهم، وهي علامة على التحالف، وتقرر أن توزع القيادة كما يلي: القائد حمو الشليحي (حمو بن قسو بن الميلودي الخليفي الزعري) على رأس مجاهدي المزارعة وزمور، وعلي بن حمو (الغالمي الزعري) على رأس مجاهدي الكفيان وبني خيران وتادلة وزيان، كما تقرر خلال هذا الاجتماع تخريب الطريق التي مهدها الفرنسيون لجلب المدفعية داخل زعير بالفؤوس، وإلقاء القبض على القياد الذين يتصلون بالفرنسيين وقتلهم، وقد أرسلت الوفود لتنفيذ هذا الغرض يوم فاتح فبراير، وكان قد ألقي القبض على قائد أولاد كثير قبل 30 يناير، ثم سرح إلى أن يقع القبض الجماعي على أمثاله“.
وأشارت كذلك الاستخبارات الفرنسية إلى تجمع آخر انعقد يوم 30 يناير سنة 1911، أي تزامنا مع التجمع الأول المذكور، وقد عقد بسوق اثنين قبيلة أولاد زيد على مقربة من الموقع المعروف بـ “زبوجة الكماين“. وحضر هذا التجمع ممثلين عن قبائل أولاد دحو وأولاد زيد والغوالم وأولاد عمران وأولاد موسى والنغامشة وأولاد علي وأولاد خليفة وكافة قبائل المزارعة من زعير وبني خيران والسماعلة. وبعد مباحثات طويلة بين ممثلي القبائل، قرروا مساندة إخوانهم المتورطين في حادث مرشوش، واستنفار باقي القبائل للجهاد ضد المستعمر الفرنسي.
وبتاريخ 15 فبراير سنة 1911، كتب المكلف بالأشغال الفرنسية بطنجة إلى وزير خارجية بلاده يقول: “تبعا للأخبار التي تلقيناها من الدار البيضاء، فإن الاضطراب يزداد بزعير، حيث يتعرض عملاؤنا لأنواع الدعائر. إن المسؤولين عن حادث 14 يناير الذين كانوا قد فروا، عادوا لمقراتهم القديمة، ونظموا زيادة على ذلك احتفالا يوم 9 فبراير قرب قصبة مرشوش“. كما نظم احتفال آخر يوم 14 فبراير بمناسبة حصول أحد إخوة المجاهد سيدي عبد القادر بن البشير المباركي (لعله العربي أو الحبشي) على بطاقة حماية ألمانية، وحضر هذا الاحتفال عدد كبير من المجاهدين، وتم الاتفاق والتفاهم فيه على عدة نقط منها حمل أهالي الشاوية على الانتفاضة ضد جيش الاحتلال الفرنسي. وذكرت أيضا جريدة Le Petit Parisien، أن المتسببين في حادث مرشوش ربطوا الاتصال بقنصلية دولة إسبانيا بالرباط، من أجل الحصول على حمايتها.
كما عملت قبائل زعير على إرسال الوفود إلى القبائل، للحصول على الدعم والمآزرة في مواجهة جيش الاحتلال الفرنسي. ففي يوم الأربعاء 21 فبراير سنة 1911، تزعمت قبيلة بني مطير اجتماعا قرب قصبة أكوراي، وحضر هذا التجمع ممثلون عن زعير وزمور وبني مكليد والشراردة وبني حسن، وكان من بين مواضيع هذا الاجتماع مساندة زعير الذين أصبحوا مهددين من طرف القوات الفرنسية. وخلال نفس الشهر، دعى القائد المجاهد عقى أو حمو الزياني إلى الهجوم على مراكز جيش الاحتلال الفرنسي بقبائل الشاوية، وقد لقيت هذه الدعوة ترحيبا كبيرا من طرف زعير. وفي بداية شهر أبريل من السنة نفسها، أعلن تحالف زمور وزعير عن استعدادهم للانضمام إلى حركة قبائل بني مطير. وفي شهر ماي من نفس السنة، وجهت قبائل زعير وزمور وزيان، دعوة إلى قبائل تادلة من أجل الانضمام إلى حركة الجهاد ضد الغزاة الفرنسيين. إلا أن هذه القبائل أجابت – حسب الرواية الفرنسية–، بأنها حاليا مشغولة بجمع المحصول الزراعي، وأنهم سيتخذون القرار المناسب بعد موسم الحصاد.
ويبدو أن موقف قبائل زعير الرافض للاحتلال الفرنسي، وتنسيق مجاهديها مع مجاهدي قبائل الجوار الذين أبدوا مساندتهم لهم، زاد قبائل زعير قوة وأصبحت تستفز قوات جيش الاحتلال المرابطة بمراكز الشاوية وبوزنقية، وتحرض القبائل التي استسلمت على الانتفاضة ضد الغزاة الفرنسيين، حسب ما نقلته الصحافة الفرنسية الصادرة آنذاك…